مطاردة لقمة العيش.. اعتقال 11 عاملاً فلسطينياً في قلب تل أبيب
مطاردة لقمة العيش.. اعتقال 11 عاملاً فلسطينياً في قلب تل أبيب
في ساعات الفجر الأولى من اليوم الخميس نشرت الشرطة الإسرائيلية صورة توثّق اعتقال 11 عاملا فلسطينيا من الضفة الغربية داخل شقة سكنية في مدينة تل أبيب، في مشهد يعكس تصاعد الملاحقات الأمنية بحق العمال الفلسطينيين الباحثين عن فرصة عمل في الداخل.
وأعلنت الشرطة أن عملية الاعتقال جرت خلال نشاط مشترك بينها وبين قوات حرس الحدود، وبموجب أمر تفتيش قضائي، حيث تمت مداهمة الشقة الواقعة في شارع كموئيل.
ووفق الرواية الإسرائيلية، فإن العمال كانوا يقيمون داخل الشقة دون تصاريح قانونية، وهو ما اعتبرته الشرطة مخالفة تستوجب الاعتقال والتحقيق، مؤكدة أن العمال جرى تحويلهم للتحقيق، فيما تواصل الأجهزة الأمنية إجراءاتها لتحديد هوية صاحب الشقة تمهيدًا لاتخاذ ما وصفته بالخطوات القانونية بحقه، وفق شبكة قدس الإخبارية.
رواية أمنية وواقع إنساني
تعتمد الشرطة الإسرائيلية في تبرير هذه الحملات على توصيف العمال الفلسطينيين كمقيمين بصورة غير قانونية، متجاهلة الظروف الاقتصادية القاسية التي تدفع آلاف الفلسطينيين إلى المخاطرة بحياتهم وحريتهم من أجل تأمين مصدر رزق لعائلاتهم.
وفي مقابل الخطاب الأمني الرسمي، يبرز واقع إنساني شديد القسوة يعيشه العمال الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين الفقر والبطالة في الضفة الغربية، والملاحقة والاعتقال في أماكن عملهم داخل الخط الأخضر.
يؤكد عمال وناشطون أن هذه الاعتقالات لا تستهدف حالات فردية، بل تأتي ضمن سياسة ممنهجة لتحويل العمل الفلسطيني إلى ملف أمني بحت، يتم التعامل معه من خلال الدهم والمداهمات الليلية واقتحام المساكن المؤقتة التي يلجأ إليها العمال هربا من الشوارع والحواجز.
وحدات خاصة ومداهمات
خلال الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة مشاركة وحدات خاصة من الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود في ملاحقة العمال الفلسطينيين، سواء في مواقع العمل أو داخل الشقق التي يبيتون فيها، وأصبحت عمليات الدهم الفجري مشهدا متكررا، يرافقه بث صور ومقاطع توثيقية على حسابات الشرطة في محاولة لإظهار هذه الاعتقالات كإنجازات أمنية.
ويقول متابعون إن إشراك وحدات خاصة مدججة بالسلاح في ملاحقة عمال غير مسلحين يعكس عقلية أمنية تتعامل مع لقمة العيش باعتبارها تهديدا، ويضاعف من حالة الخوف والقلق لدى العمال الذين يعيشون أصلا في ظروف غير مستقرة، بعيدا عن عائلاتهم وتحت ضغط دائم من احتمال الاعتقال أو الترحيل.
تحوّلت ملاحقات الشرطة الإسرائيلية إلى كابوس يومي يلاحق آلاف العمال الفلسطينيين، حيث لا تقتصر آثارها على لحظة الاعتقال فقط، بل تمتد إلى ما بعدها من احتجاز لساعات أو أيام، وفرض غرامات مالية، وأحيانا إصدار قرارات منع من الدخول إلى أماكن العمل لفترات طويلة.
ويشير عمال إلى أن مجرد الخروج إلى العمل بات محفوفا بالمخاطر، إذ يمكن أن تنتهي ساعات البحث عن الرزق باعتقال مفاجئ أو مطاردة في الشوارع، ويضيفون أن الخوف من المداهمات يدفع الكثيرين إلى المبيت في ظروف قاسية داخل شقق مكتظة أو ورش مهجورة، ما يفاقم معاناتهم الصحية والنفسية.
أبعاد اقتصادية واجتماعية
تعكس هذه الحملة أبعادا اقتصادية أعمق تتجاوز البعد الأمني المعلن، فالاقتصاد الفلسطيني يعاني من معدلات بطالة مرتفعة، خاصة في صفوف العمال ذوي الدخل المحدود، في وقت تعتمد فيه قطاعات واسعة داخل إسرائيل على الأيدي العاملة الفلسطينية، لا سيما في مجالات البناء والزراعة والخدمات.
ويرى خبراء اقتصاديون أن التضييق الأمني لا يلغي الحاجة الفعلية لهذه العمالة، بل يدفعها إلى العمل في ظروف أكثر هشاشة ودون أي ضمانات قانونية، ما يفتح الباب أمام الاستغلال ويزيد من دائرة الفقر داخل المجتمع الفلسطيني.
وفي ظل هذه التطورات، تتواصل مطالب مؤسسات حقوقية بوقف سياسة الملاحقة الجماعية بحق العمال الفلسطينيين، واحترام حقهم في العمل والحياة الكريمة، وتؤكد هذه المؤسسات أن تصوير العمال كمخالفين للقانون يتجاهل السياق السياسي والاقتصادي المفروض عليهم بفعل القيود على الحركة والعمل.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن الاعتقالات الجماعية وعمليات الدهم تشكل انتهاكا للمعايير الإنسانية، خاصة عندما تتم دون مراعاة ظروف العمال أو توفير بدائل قانونية تضمن لهم سبل العيش.
الخوف يمتد إلى العائلات
لا تتوقف آثار هذه الملاحقات عند العمال أنفسهم، بل تمتد إلى عائلاتهم في الضفة الغربية التي تعيش حالة قلق دائم مع كل خروج لأحد أفرادها إلى العمل، فاعتقال المعيل قد يعني فقدان مصدر الدخل الوحيد للأسرة، وتراكم الديون، والدخول في دوامة جديدة من الفقر وعدم الاستقرار.
وتقول عائلات عمال معتقلين إن غياب أي حماية قانونية حقيقية يزيد من شعورهم بالعجز، خاصة في ظل صعوبة متابعة أبنائهم أو معرفة مصيرهم بعد الاعتقال.
يعاني العمال الفلسطينيون من الضفة الغربية من قيود مشددة على تصاريح العمل منذ سنوات، حيث تخضع هذه التصاريح لإجراءات أمنية معقدة وتحدد بأعداد محدودة لا تلبي احتياجات السوق الفلسطينية، ونتيجة لذلك، يضطر آلاف العمال إلى دخول الداخل الفلسطيني دون تصاريح بحثا عن فرص عمل تضمن لهم الحد الأدنى من الدخل.
وتتعامل السلطات الإسرائيلية مع هذه الظاهرة من منظور أمني، من خلال حملات دهم واعتقال متواصلة، تشارك فيها الشرطة وحرس الحدود ووحدات خاصة، وفي المقابل، تؤكد منظمات حقوقية أن الحل لا يكمن في الملاحقة والعقاب، بل في معالجة جذور الأزمة الاقتصادية وضمان حق العمل، باعتباره حقا إنسانيا أساسيا لا يجوز تحويله إلى جريمة.











